فصل: (فَرْعٌ): (تَوْكِيلِ الْمُمَيِّزِ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [في شروطِ إخراجِ الزكاةِ]:

(وَيُشْتَرَطُ لِإِخْرَاجِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (نِيَّةٌ)، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُهَا، فَافْتَقَرَتْ إلَى تَبْيِينِ النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ مَصْرِفَ الْمَالِ إلَى الْفُقَرَاءِ لَهُ جِهَاتٌ مِنْ زَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ، فَاعْتُبِرَتْ نِيَّةُ التَّمَيُّزِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ إخْرَاجُهَا (مِنْ مُكَلَّفٍ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ أَشْبَهَ سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ (إلَّا أَنْ تُؤْخَذَ) مِنْهُ الزَّكَاةُ (قَهْرًا)، فَتُجْزِئُ ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ رَبِّ الْمَالِ، فَلَا يُؤْمَرُ بِهَا ثَانِيًا (أَوْ يُغَيِّبُ مَالَهُ) فَتُؤْخَذُ مِنْهُ حَيْثُ وُجِدَ. وَتُجْزِئُ بِلَا نِيَّةٍ كَمَأْخُوذٍ قَهْرًا (أَوْ يَتَعَذَّرُ وُصُولٌ إلَى مَالِكٍ) لِتُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ (بِنَحْوِ حَبْسٍ) كَأَسْرٍ، (فَيَأْخُذُهَا سَاعٍ) مِنْ مَالِهِ، (وَتُجْزِئُ) ظَاهِرًا وَ(بَاطِنًا فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأَخِيرَةِ) بِخِلَافِ الْأُولَتَيْنِ قَبْلَهَا، فَتُجْزِئُ ظَاهِرًا (فَقَطْ، وَالْأَوْلَى قَرْنُهَا)، أَيْ: النِّيَّةَ (بِدَفْعٍ) كَصَلَاةٍ، (وَلَهُ تَقْدِيمُهَا) عَلَى الْإِخْرَاجِ (بـِ) زَمَنٍ (يَسِيرٍ كَصَلَاةٍ)، وَلَوْ عَزَلَ الزَّكَاةَ، لَمْ تَكْفِ النِّيَّةُ إذَنْ مَعَ طُولِ زَمَنٍ، (فَيَنْوِي) بِمُخْرَجٍ (الزَّكَاةَ أَوْ الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ، أَوْ صَدَقَةَ الْمَالِ أَوْ الْفِطْرِ، وَلَا تُجْزِئُ إنْ نَوَى صَدَقَةً مُطْلَقَةً وَلَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ) كَنِيَّةِ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ، وَمَحَلُّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ. وَتَقَدَّمَ. (وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ فَرْضٍ) اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا، (وَلَا) يَجِبُ (تَعْيِينُ) مَالٍ (مُزَكًّى عَنْهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ جِنْسُهُ)، أَيْ: الْمَالِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ (فَلَوْ نَوَى بِشَاةٍ) حِينَ أَخْرَجَهَا (عَنْ خَمْسِ إبِلٍ أَوْ أَرْبَعِينَ شَاةً، أَجْزَأَتْ عَنْ أَحَدِهِمَا)، وَيُخْرِجُ شَاةً أُخْرَى عَنْ الْآخَرِ، (أَوْ نَوَى) زَكَاةً (عَنْ مَالِهِ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ) الْغَائِبُ (تَالِفًا فَعَنْ الْحَاضِرِ أَجْزَأَ عَنْ حَاضِرٍ مَعَ تَلَفِ غَائِبٍ)، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، لِاعْتِبَارِ التَّعْيِينِ فِيهَا. (وَإِنْ أَدَّى قَدْرَ زَكَاةِ أَحَدِهِمَا)، أَيْ: الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، (صَرَفَهَا)، أَيْ: الزَّكَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ (لِأَيِّهِمَا شَاءَ كَتَعْيِينِهِ ابْتِدَاءً) حِينَ أَخْرَجَ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا مِنْهُمَا (أَجْزَأَ) مُخْرَجٌ (عَنْ أَحَدِهِمَا)، فَيُخْرِجُ عَنْ الْآخَرِ. (وَلَوْ نَوَى عَنْ) مَالٍ (غَائِبٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ)، أَيْ: لَمْ يَنْوِ إنْ كَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا، فَعَنْ الْحَاضِرِ (فَبَانَ) الْغَائِبُ (تَالِفًا لَمْ يَصْرِفْهُ)، أَيْ: الْمُخْرِجُ (إلَى غَيْرِهِ)، لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ، كَعِتْقٍ فِي كَفَّارَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَمْ تَكُنْ. (وَيَتَّجِهُ: وَيَرْجِعُ) مُخْرِجٌ (فِيمَا) كَانَ مَوْجُودًا (بِيَدِ سَاعٍ لِتَبَيُّنِ مُخْرِجِ غَيْرِ زَكَاةٍ)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ نَوَى) الزَّكَاةَ (عَنْ الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا) أَجْزَأَ عَنْهُ إنْ كَانَ سَالِمًا، (أَوْ نَوَى) عَنْ الْغَيْرِ إنْ كَانَ سَالِمًا (وَإِلَّا) يَكُنْ سَالِمًا (فـَ) هِيَ (نَفْلٌ، فَبَانَ) الْغَائِبُ (سَالِمًا، أَجْزَأَ) عَنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْإِطْلَاقِ، فَلَا يَضُرُّ تَقْيِيدُهُ بِهِ. (وَإِنْ شَرَطَ) بِأَنْ نَوَى: إنْ كَانَ الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذِهِ زَكَاتُهُ، (وَإِلَّا) يَكُنْ سَالِمًا (فَأَرْجِعْ) فِيهَا (فَلَهُ الرُّجُوعُ إنْ بَانَ) الْغَائِبُ (تَالِفًا)، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَمَنْ شَكَّ فِي بَقَاءِ غَائِبٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجٌ عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ عَلِمَ بَقَاءَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ مَتَى وَصَلَ إلَيْهِ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى، كَمَا لَوْ قَالَ (عَنْ قِنٍّ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِي، وَإِنْ لَمْ يُجْزِئْ رَدَدْته لِرِقٍّ)، فَلَهُ رَدُّهُ إلَى الرِّقِّ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ، فَبَانَ أَنَّهُ غَيْرُ مُجْزِئٍ، عَتَقَ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ. وَإِنْ قَالَ: هَذَا زَكَاةُ مَالِي، (أَوْ نَفْلٌ) لَمْ يُجْزِئْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِلزَّكَاةِ، (أَوْ) قَالَ: (هَذَا زَكَاةُ إرْثِي إنْ كَانَ مَاتَ مُوَرِّثِي، لَمْ يُجْزِئْهُ)، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْنِ عَلَى أَصْلٍ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ: كَقَوْلِهِ لَيْلَةَ الشَّكِّ: إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِي، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّر: كَقَوْلِهِ: إنْ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ دَخَلَ، فَصَلَاتِي هَذِهِ عَنْهَا.
قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: التَّرَدُّدُ فِي الْعِبَادَةِ يُفْسِدُهَا. (وَإِنْ وَكَّلَ) رَبُّ مَالٍ (فِي) إخْرَاجِ (الزَّكَاةِ مُسْلِمًا) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً. نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَغَيْرُ الثِّقَةِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا. (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ الْمُسْلِمُ (غَيْرَ ثِقَةٍ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَنْصُوصِ) عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. (وَيُحْمَلُ نَصُّهُ عَلَى مَنْ)، أَيْ: مُوَكِّلَ لَمْ يَعْلَمْ (هَلْ دَفَعَ) وَكِيلُهُ الزَّكَاةَ (أَوْ لَا)، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ الْمُوَكِّلُ أَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ أَخْرَجَهَا، فَلَا مَانِعَ مِنْ إجْزَائِهَا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا الِاتِّجَاهَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ، (أَجْزَأَتْهُ نِيَّةُ مُوَكِّلٍ) فَقَطْ (مَعَ قُرْبِ زَمَنِ إخْرَاجٍ) مِنْ زَمَنِ تَوْكِيلٍ، لِأَنَّ الْفَرْضَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُوَكِّلِ، وَتَأَخُّرُ الْأَدَاءِ عَنْ النِّيَّةِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ جَائِزٌ. (وَيَتَّجِهُ): الْإِجْزَاءُ (وَلَوْ مَعَ كُفْرِ وَكِيلٍ)، حَكَاهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ(لِأَنَّهُ مُنَاوِلٌ إذَنْ)، كَمَا لَوْ اسْتَنَابَ ذِمِّيًّا فِي ذَبْحِ أُضْحِيَّةٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: (وَ) يَجُوزُ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ إذَا نَوَى الْمُوَكِّلُ، وَكَفَتْ نِيَّتُهُ، وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ قَوِيٌّ. انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ لَكَ أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ. (وَمَعَ بُعْدِ زَمَنِ) إخْرَاجٍ، (فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ مُوَكِّلٍ حَالَ دَفَعَ) (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) مَالُ (تَوْكِيلِ) مَنْ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَنَحْوُهَا فِي إخْرَاجِهِ عَنْهُ مِنْهَا- وَهُوَ مُتَّجِهٌ (لِوَكِيلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِدَفَعَ، (وَ) لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ (وَكِيلٍ) أَيْضًا (عِنْدَ دَفْعٍ لِمُسْتَحِقٍّ)، وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ (الْإِمَامِ) أَوْ السَّاعِي (حَالَ دَفَعَ لِمُسْتَحِقٍّ)، لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ نِيَّةُ وَكِيلِ رَبِّ الْمَالِ عِنْدَ الدَّفْعِ (لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ) لِئَلَّا يَخْلُوَ الدَّفْعُ عَنْ نِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ أَوْ مُقَارِبَةٍ، فَيَنْوِي مُوَكِّلُ عِنْدَ التَّوْكِيلِ، وَوَكِيلٌ عِنْدَ الدَّفْعِ لِنَحْوِ الْفُقَرَاءِ وَقَرِيبًا مِنْهُ، وَلَوْ نَوَى وَكِيلٌ فَقَطْ لَمْ تَجُزْ، لِتَعَلُّقِ الْفَرْضِ بِالْمُوَكِّلِ، وَوُقُوعِ الْإِجْزَاءِ عَنْهُ، وَلَوْ دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي نَاوِيًا أَجْزَأَهُ (وَتَلَفُهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (بِلَا تَفْرِيطٍ بِيَدِ وَكِيلٍ، لَا) تَلَفُهَا بِيَدِ (سَاعٍ مِنْ ضَمَانِ رَبِّ مَالٍ)، لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يُوَصِّلْهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا، فَكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْمُوَكِّلِ، لِتَعَلُّقِ الْفَرْضِ بِهِ، وَأَمَّا السَّاعِي، فَإِنَّهُ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ، وَقَبْضُهُ لَهَا قَائِمٌ مَقَامَ قَبْضِهِمْ، وَتَلَفُهَا بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِهِمْ. (وَفِي الْإِقْنَاعِ: لَوْ قَالَ) لِوَكِيلِهِ: (تَصَدَّقْ بِهَذَا) الْمَالِ (نَفْلًا أَوْ عَنْ كَفَّارَتِي، ثُمَّ نَوَى) الْمُوَكِّلُ (الزَّكَاةَ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ) وَكِيلُهُ (أَجْزَأَ عَنْهَا، لِأَنَّ دَفْعَ وَكِيلِهِ كَدَفْعِهِ) فَكَأَنَّهُ نَوَى الزَّكَاةَ، ثُمَّ دَفَعَ بِنَفْسِهِ، (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ)، أَيْ: الْأَصْحَابِ (كَمَا فِي الْفُرُوعِ لَا يُجْزِئُ) بِهَذَا الدَّفْعِ (لِاعْتِبَارِهِمْ نِيَّةَ وَكِيلٍ عِنْدَ دَفْعٍ)، هَكَذَا وُجِدَ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ، وَاَلَّذِي فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ لِاعْتِبَارِهِمْ النِّيَّةَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَمَا قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْمَجْدِ لَا يُجْزِئُ لِاعْتِبَارِهِمْ النِّيَّةَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ.

.(فَرْعٌ): [تَوْكِيلِ الْمُمَيِّزِ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ]:

(فِي صِحَّةِ تَوْكِيلِ الْمُمَيِّزِ) فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ (وَجْهَانِ) ذَكَرَهُمَا فِي الْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ الْأَوَّلُ: الصِّحَّةُ، لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْعِبَادَةِ. الثَّانِي، وَهُوَ (الصَّوَابُ: عَدَمُ الصِّحَّةِ، خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ جَزَمَ بِصِحَّةِ تَوْكِيلِ الْمُمَيِّزِ فِي دَفْعِهَا بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ (لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِأَدَاءِ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ، وَلِأَنَّهُ)، أَيْ: الْمُمَيِّزَ (لَا يُخْرِجُ زَكَاةَ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى) وَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ تَبِعَ فِيهِ الْإِنْصَافَ وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِيهِ تَصْحِيحَ الْفُرُوعِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْإِنْصَافِ فَمَا فِيهِ يُخَالِفُ الْإِنْصَافَ يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْهُ. (وَمَنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ مِنْ مَالٍ غَصْبٍ لَمْ تُجْزِئْهُ وَلَوْ أُجِيزَ بَعْدُ) كَبَيْعِهِ وَإِجَارَتِهِ، لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءً لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالْإِجَازَةِ. (وَمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ شَخْصٍ حَيٍّ أَوْ كَفَّارَتَهُ مِنْ مَالِهِ)، أَيْ: مَالِ الْمُخْرِجِ (بِإِذْنِهِ)، أَيْ: إذْنَ مُخْرَجٍ عَنْهُ (صَحَّ) إخْرَاجُهُ عَنْهُ كَالْوَكِيلِ، (وَرَجَعَ) الْمُخْرِجُ عَلَى مُخْرَجٍ عَنْهُ (إنْ نَوَاهُ)، أَيْ الرُّجُوعَ (وَإِلَّا) يَنْوِ الرُّجُوعَ، أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِي الْإِخْرَاجِ، (فَلَا) يَرْجِعُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَوَكَالَتِهِ عَنْهُ. (وَمَنْ عَلِمَ) قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ (وَالْمُرَادُ ظَنُّ أَهْلِيَّةِ آخِذٍ لِزَكَاةٍ) لِمَقَامِ الظَّنِّ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ إلَيْهِ، (كُرِهَ أَنْ يَعْلَمَ بِهَا) نَصًّا (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: لَا يُبَكِّتُهُ، يُعْطِيهِ وَيَسْكُتُ) مَا حَاجَتُهُ إلَى أَنْ يُقْرِعَهُ؟ (وَمَعَ عِلْمِ) مُعْطٍ (عَدَمُ عَادَتِهِ)، أَيْ: الْآخِذِ (بِأَخْذِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (لَمْ يُجْزِئْهُ) دَفْعُهَا (إلَّا إنْ أَعْلَمَهُ) أَنَّهَا زَكَاةٌ، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ زَكَاةً ظَاهِرًا.

.(فَصْلٌ): [جَعْلُ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ فِي فُقَرَاءِ الْبَلَدِ]:

(وَالْأَفْضَلُ جَعْلُ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ فِي فُقَرَاءِ بَلَدِهِ)، أَيْ: الْمَالِ، وَلَوْ تَفَرَّقَ، أَوْ كَانَ الْمَالِكُ بِغَيْرِهِ، لِعُمُومِ حَدِيثِ مُعَاذٍ الْآتِي، (مَا لَمْ تَنْشَقِصْ زَكَاةُ سَائِمَةٍ) كَأَرْبَعِينَ شَاةً بِبَلَدَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ، (فـَ) يُخْرِجُ زَكَاتَهَا (فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ) شَاةً وَاحِدَةً، فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ. دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، (وَحَرُمَ حَتَّى عَلَى سَاعٍ نَقْلُهَا لِمَسَافَةِ قَصْرٍ) مَعَ وُجُودِ مُسْتَحِقٍّ لَهَا، (وَلَوْ) كَانَ نَقْلُهَا (لِرَحِمٍ وَشِدَّةِ حَاجَةٍ)، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» فَظَاهِرُهُ: عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، وَ«لِإِنْكَارِ عُمَرَ عَلَى مُعَاذٍ حِينَ بَعَثَ إلَيْهِ بِثُلُثِ الصَّدَقَةِ، ثُمَّ شَطْرَهَا، ثُمَّ بِهَا، وَأَجَابَهُ مُعَاذٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهِ شَيْئًا وَهُوَ يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهُ مِنْهُ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَمَحَلُّهُ: إذَا لَمْ يُفْضِ إلَى تَشْقِيصٍ. (وَتُجْزِئُ) زَكَاةٌ نَقَلَهَا فَوْقَ الْمَسَافَةِ، وَأَخْرَجَهَا فِي غَيْرِ بَلَدِ الْمَالِ مَعَ حُرْمَةِ النَّقْلِ، لِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَبَرِئَ كَالدَّيْنِ. وَلَا يَحْرُمُ نَقْلُ زَكَاةٍ إلَى بَلَدٍ (دُونَ مَسَافَةِ) قَصْرٍ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ (وَلَا) يَحْرُمُ (نَقْلُ نَذْرٍ) مُطْلَقٍ (وَكَفَّارَةٍ وَوَصِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ)، أَيْ: لَمْ يَخُصَّهَا مُوصٍ بِمَكَانٍ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ رَاتِبَةٌ فِي الْمَالِ، فَكَانَتْ لِجِيرَانِهِ، بِخِلَافِ الْمَذْكُورَاتِ، (لَا) إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَنَحْوُهَا (مُقَيَّدَةً بـِ) فُقَرَاءِ مَكَانٍ (مُعَيَّنٍ) فَيَتَعَيَّنُوا لَهَا. (وَمَنْ بِبَادِيَةٍ) وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ، فَرَّقَهَا بِأَقْرَبِ بَلَدٍ مِنْهُ (أَوْ خَلَا بَلَدُهُ عَنْ مُسْتَحِقٍّ) لِلزَّكَاةِ يَسْتَغْرِقُهَا، (فَرَّقَهَا) أَوْ مَا بَقِيَ (بِأَقْرَبِ بَلَدٍ)، أَيْ: مَكَان (مِنْهُ) لِأَنَّهُمْ أَوْلَى نَصًّا (وَمُؤْنَةُ نَقْلِ) زَكَاةٍ مَعَ حِلِّ نَقْلِهَا بِأَنْ كَانَ لِدُونِ الْمَسَافَةِ، أَوْ حُرْمَتِهِ بِأَنْ كَانَ لِمَحَلٍّ فَوْقَ الْمَسَافَةِ عَلَى مُزْكٍ (وَ) مُؤْنَةِ (دَفْعِ) زَكَاةٍ (عَلَيْهِ)، أَيْ: الْمُزَكِّي (كـَ) مُؤْنَةِ (كَيْلٍ وَوَزْنٍ)، لِأَنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةَ تَسْلِيمِهَا لِمُسْتَحِقِّهَا كَامِلَةً، وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ التَّوْفِيَةِ. (وَمُسَافِرٌ بِالْمَالِ) الزَّكَوِيِّ (يُفَرِّقُهَا)، أَيْ: زَكَاتَهُ (بِبَلَدِ، أَكْثَرَ إقَامَتِهِ)، أَيْ: رَبِّ الْمَالِ (بِهِ)، أَيْ: الْمَالِ (فِيهِ)، أَيْ: ذَلِكَ الْبَلَدِ نَصًّا. لِأَنَّ الْأَطْمَاعَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ غَالِبًا بِمُضِيِّ زَمَنِ الْوُجُوبِ أَوْ مَا قَارَبَهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَمَعَ تَسَاوٍ) فِي الْإِقَامَةِ (يُخَيَّرُ) رَبُّ الْمَالِ فِي إخْرَاجِهَا، فَيُخْرِجُهَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ، وَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَهَا فِي أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ وَبَاقِيَهَا فِي الْمَكَانِ الْآخَرِ فَهُوَ أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ بَعْثُ السُّعَاةِ قُرْبَ زَمَنِ الْوُجُوبِ لِقَبْضِ زَكَاةِ الْمَالِ الظَّاهِرِ كَزَرْعٍ وَثَمَرٍ وَمَاشِيَةٍ)، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُزَكِّي، وَلَا يَعْلَمُ مَا عَلَيْهِ، فَفِي إهْمَالِ ذَلِكَ تَرْكٌ لِلزَّكَاةِ (وَيَجْعَلُ أَوَّلُ حَوْلِ مَاشِيَةٍ الْمُحَرَّمَ)، لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ (وَتَوَقَّفَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) فِي ذَلِكَ (وَمَيْلُهُ لِرَمَضَانَ) لِتَضَاعُفِ الْحَسَنَاتِ فِي الزَّمَانِ الْفَاضِلِ. (وَسُنَّ) لِلْإِمَامِ (وَسْمُ مَا حَصَلَ) عِنْدَهُ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ جِزْيَةٍ (مِنْ إبِلِ وَبَقَرٍ فِي أَفْخَاذِهَا)، لِحَدِيثِ أَنَسٍ: «غَدَوْتُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ، فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ لِيَسِمَ إبِلَ الصَّدَقَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) وَسْمُ مَا حَصَلَ مِنْ (غَنَمٍ فِي آذَانِهَا) لِخَبَرِ أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ: «وَهُوَ يَسِمُ غَنَمًا فِي آذَانِهَا» (فـَ) الْوَسْمُ (عَلَى زَكَاةٍ لِلَّهِ أَوْ زَكَاةٍ وَ) الْوَسْمُ (عَلَى جِزْيَةِ صِغَارٍ أَوْ جِزْيَةٍ) لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا، وَخُصَّ الْفَخِذُ وَالْأُذُنُ بِالْوَسْمِ لِخِفَّتِهِ، وَقِلَّةِ أَلَمِهِ فِيهِمَا.

.(فَصْلٌ): [تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ]:

(وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ زَكَاةٍ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ: أَنَّ «الْعَبَّاسَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَةٍ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ»، رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَكَالْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ، فَيَصِيرُ مِنْ تَقْدِيمِ الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ، وَقَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَتَرْكُ التَّعْجِيلِ، أَفْضَلُ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (لِحَوْلَيْنِ فَقَطْ)، اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ أَفْضَلُ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (لِحَوْلَيْنِ فَقَطْ)، اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ، لِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَال: عَنْ عَلِيٍّ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّلَ مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ» وَيُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٌ: «فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا» (لِغَيْرِ وَلِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ)، لِوُجُوبِ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا مَصْلَحَةَ فِي التَّعْجِيلِ (إذَا كَمُلَ النِّصَابُ) لِأَنَّهُ سَبَبُهَا، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ كَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْحَلِفِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.
وَ(لَا) يَجُوزُ التَّعْجِيلُ (مِنْهُ)، أَيْ: النِّصَابِ (لِحَوْلَيْنِ إنْ نَقَصَ) بِالتَّعْجِيلِ (وَلَا عَمَّا يَسْتَفِيدُهُ) النِّصَابُ نَصًّا، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، فَقَدْ عَجَّلَ زَكَاةً عَمَّا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، (أَوْ) عَنْ (مَعْدِنٍ أَوْ رِكَازٍ أَوْ زَرْعٍ قَبْلَ حُصُولِ) مَا ذُكِرَ، (أَوْ) قَبْلَ (نَبَاتِ زَرْعٍ أَوْ) عَنْ زَكَاةِ ثَمَرٍ قَبْلَ (طُلُوعِ طَلْعٍ، أَوْ) عَنْ زَبِيبٍ قَبْلَ طُلُوعِ (حِصْرِمٍ)، لِأَنَّهُ تَقْدِيمُ زَكَاةٍ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهَا (وَبَعْدَهُ)، أَيْ: بَعْدَ نَبَاتِ زَرْعٍ وَطُلُوعِ طَلْعٍ وَحِصْرِمٍ (يَصِحُّ تَعْجِيلٌ)، لِأَنَّ وُجُودَهُ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِ النِّصَابِ، وَالْإِدْرَاكُ بِمَنْزِلَةِ حَوَلَانِ الْحَوْلِ، فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ، وَتَعْلِيقُ زَكَاتِهِ بِالْإِدْرَاكِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّعْجِيلِ، لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِدُخُولِ شَوَّالٍ، وَيَجُوزُ تَعْجِيلُهَا قَبْلَهُ، (وَإِنْ عَجَّلَ عَنْ نِصَابٍ) مَوْجُودٍ (وَمَا يَنْمِي) فِي حَوْلِهِ أَجْزَأَ تَعْجِيلُهُ عَنْ النِّصَابِ فَقَطْ، (وَلَمْ يُجْزِئْ عَنْ نَمَاءٍ) لِأَنَّهُ عَجَّلَ زَكَاةَ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ كَمَا فِي النِّصَابِ الْأَوَّلِ، (فَلَوْ عَجَّلَ مُسِنَّةً عَنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً وَنِتَاجِهَا، فَنَتَجَتْ عَشْرًا، أَجْزَأَتْ) الْمُعَجَّلَةُ (عَنْ ثَلَاثِينَ) فَقَطْ، لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْجِيلِ عَنْ النِّتَاجِ، (وَلَزِمَ لِلْعَشْرِ) النِّتَاجِ (رُبْعُ مُسِنَّةٍ) زَكَاتُهَا، (وَإِنْ تَمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ نَاقِصٌ بِقَدْرٍ مُعَجَّلٍ، صَحَّ) تَعْجِيلُهُ وَأَجْزَأَ (إذْ الْمُعَجَّلُ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ) فِي مِلْكِهِ يَتِمُّ النِّصَابُ بِهِ. وَإِنْ نَقَصَ أَكْثَرَ مِمَّا عَجَّلَهُ كَمَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً عَجَّلَ وَاحِدَةً، ثُمَّ تَلِفَتْ أُخْرَى، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلزَّكَاةِ. فَإِنْ زَادَ بَعْدَ نِتَاجِ أَوْ شِرَاءِ مَا تَمَّ بِهِ النِّصَابُ، اُسْتُؤْنِفَ الْحَوْلُ مِنْ كَمَالِ النِّصَابِ، وَلَمْ يُجْزِئْ مُعَجَّلٌ، (فَيَصِحُّ) التَّعْجِيلُ (عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً) بِشَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِهَا لِحَوْلَيْنِ، وَيُجْزِئُ لِبَقَاءِ النِّصَابِ، أَوْ (بِشَاةٍ مِنْهَا) وَأُخْرَى مِنْ غَيْرِهَا، و(لَا) يُجْزِئُ (بِشَاتَيْنِ مِنْهَا لِحَوْلَيْنِ)، لِنَقْصِ النِّصَابِ. (وَلَا) يَصِحُّ تَعْجِيلٌ (بـِ) شَاةٍ (وَاحِدَةٍ) مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً (لِ) حَوْلٍ (ثَانٍ فَقَطْ)، لِأَنَّ مَا عَجَّلَهُ مِنْ النِّصَابِ لِلْحَوْلِ الثَّانِي زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، فَيَنْقُصُ النِّصَابُ بِهِ، (وَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ)، بِخِلَافِ مَا عَجَّلَهُ عَنْ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ، (وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ مِائَتَيْ شَاةٍ) شَاتَيْنِ (فَنُتِجَتْ عِنْدَ الْحَوْلِ سَخْلَةٌ، لَزِمَتْهُ) شَاةٌ (ثَالِثَةٌ)، لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ فِي إجْزَائِهِ عَنْ مَالِهِ، فَكَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهِ. (وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ) شَاةً (ثُمَّ أَبْدَلَهَا)، أَيْ: الْأَرْبَعِينَ (بِمِثْلِهَا أَوْ نُتِجَتْ سَخْلَةٌ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ، أَجْزَأَ مُعَجَّلُ بَدَلٍ وَسِخَالٍ) لِأَنَّهَا تُجْزِئُ مَعَ بَقَاءِ الْأُمَّاتِ عَنْ الْكُلِّ، فَعَنْ أَحَدِهِمَا أَوْلَى (وَمَنْ عَجَّلَ عَنْ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ) فِضَّةً (خَمْسَةً مِنْهَا، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ، لَزِمَهُ أَيْضًا دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ) نَصًّا، لِيُتِمَّ رُبْعَ الْعُشْرِ. (وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ أَلْفِ) دِرْهَمٍ فَقَطْ (خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مِنْهَا ثُمَّ رَبِحَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ) دِرْهَمًا، (لَزِمَهُ زَكَاتُهَا)، أَيْ: الْخَمْسَةَ وَالْعِشْرِينَ، (وَمَنْ عَجَّلَ) زَكَاةً (عَنْ أَلْفِ) دِرْهَمٍ (يَظُنُّهَا)، أَيْ: الدَّرَاهِمَ (لَهُ فَبَانَتْ) الَّتِي لَهُ مِنْهَا (خَمْسَمِائَةٍ، أَجْزَأَ) مَا عَجَّلَهُ (عَنْ عَامَيْنِ)، لِأَنَّهُ نَوَاهَا زَكَاةً مُعَجَّلَةً، وَالْأَلْفُ كُلُّهَا لَيْسَتْ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ مَا لَيْسَ لَهُ، (وَمَنْ عَجَّلَ) زَكَاةً (عَنْ أَحَدِ نِصَابَيْهِ، بِعَيْنِهِ، وَلَوْ) كَانَ الْوَاجِبُ (مِنْ جِنْسٍ) وَاحِدٍ، (فَتَلِفَ) النِّصَابُ الْمُعَجَّلُ عَنْهُ، (لَمْ يَصْرِفْهُ)، أَيْ: الْمُعَجَّلُ (لِلْآخَرِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، كَمَنْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَلَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً، فَتَلِفَ إبِلُهُ، لَمْ يَصْرِفْ الشَّاةَ إلَى الْأَرْبَعِينَ. (وَيَتَّجِهُ: مَا لَمْ يَشْتَرِطْ) مَا عَجَّلَهُ، فَإِنْ اشْتَرَطَ بِنِيَّةٍ، إنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ تَالِفًا، فَعَنْ الْبَاقِي صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَهُوَ مُتَّجَهٌ (وَإِنْ) (مَاتَ قَابِضُ) زَكَاةٍ (مُعَجَّلَةِ الْمُسْتَحَقِّ) لَقَبَضَهَا لِنَحْوِ فَقْرِهِ (أَوْ ارْتَدَّ) قَابِضُ مُعَجَّلَةٍ، (أَوْ اسْتَغْنَى قَبْلَ) مُضِيِّ (الْحَوْلِ) الَّذِي تَعَجَّلَ زَكَاتُهُ، (أَجْزَأَتْ) الزَّكَاةُ عَمَّنْ عَجَّلَهَا، لِأَنَّهُ أَدَّاهَا لِمُسْتَحِقِّهَا، كَدَيْنٍ لَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ وَ(لَا) تُجْزِئُ زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ (إنْ دَفَعَهَا) رَبُّ الْمَالِ (لِمَنْ يَعْلَمُ غِنَاهُ فَافْتَقَرَ) عِنْدَ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهَا لِمُسْتَحِقِّهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَفْتَقِرْ. (وَإِنْ مَاتَ مُعَجِّلُ) زَكَاةٍ (أَوْ ارْتَدَّ أَوْ تَلِفَ النِّصَابُ) الْمُعَجَّلُ زَكَاتُهُ، (أَوْ نَقَصَ) قَبْلَ الْحَوْلِ، (فَقَدْ بَانَ الْمُخْرَجُ غَيْرَ زَكَاةٍ) لِانْقِطَاعِ الْوُجُوبِ بِذَلِكَ، (وَلَا رُجُوعَ) لِمُعَجِّلٍ بِشَيْءٍ مِمَّا عَجَّلَهُ (إلَّا فِيمَا بِيَدِ سَاعٍ عِنْدَ تَلَفِ نِصَابٍ)، وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمَالِكُ تَلَفَهُ غَيْرَ قَاصِدٍ الْفِرَارَ مِنْهَا، فَإِنْ دَفَعَهَا سَاعٍ أَوْ رَبُّ مَالٍ لِفَقِيرٍ، فَلَا رُجُوعَ حَتَّى فِي تَلَفِ النِّصَابِ. وَيُشْتَرَطُ لِإِجْزَائِهَا وَمِلْكِ فَقِيرٍ لَهَا قَبْضُهُ، فَلَوْ عَزَلَهَا فَتَلِفَتْ قَبْلَهُ، أَوْ غَدَّى الْفُقَرَاءَ، أَوْ عَشَّاهُمْ لَمْ يَجُزْ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ فَقِيرٍ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا نَصًّا. (وَلِمَنْ أَخَذَ السَّاعِي مِنْهُ زِيَادَةً) عَنْ زَكَاةٍ عَلَيْهِ (أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا)، أَيْ: الزِّيَادَةِ (مِنْ) عَامٍ (قَابِلٍ) نَصًّا (قَالَ الْمُوَفَّقُ: إنْ نَوَى الْمَالِكُ التَّعْجِيلَ) حَالَ الدَّفْعِ.

.(فَرْعٌ): [هل يُجْزِئُ مَا أَخَذَ السُّلْطَانُ عَنْ الزَّكَاةِ]:

(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِي أَرْضِ صُلْحٍ يَأْخُذُ السُّلْطَانُ مِنْهَا نِصْفَ الْغَلَّةِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ ظُلْمٌ، (قِيلَ لَهُ: فَيُزَكِّي الْمَالَ عَمَّا بَقِيَ فِي يَدِهِ؟ قَالَ: يُجْزِئُ مَا أَخَذَ السُّلْطَانُ عَنْ الزَّكَاةِ) يَعْنِي: إذَا نَوَى بِهِ الْمَالِكُ، (وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَيْضًا: يَحْسُبُ مَا أَهْدَاهُ لِلْعَامِلِ مِنْ الزَّكَاةِ) بِنِيَّةِ الْمَالِكِ وَقْتَ الْأَخْذِ، وَإِلَّا فَلَا (وَمَنْ) عِنْدَهُ مَالٌ زَكَوِيٌّ لَمْ يَحُلْ حَوْلَهُ (لَمْ يُعَجِّلْ) زَكَاتَهُ (لِسَاعٍ وَكَّلَ) السَّاعِي (ثِقَةً فِي قَبْضِهَا) وَقْتَ وُجُوبِهَا، وَصَرَفَهَا فِي مَصْرِفِهَا (أَوْ فَوَّضَ) السَّاعِي (تَفْرِيقَهَا لِمَالِكِهَا الثِّقَةِ)، لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ (وَلِإِمَامِ وَنَائِبِهِ اسْتِسْلَافُ زَكَاةٍ بِرِضَى رَبِّهَا، وَتَلَفُهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ وَلَوْ مُعَجَّلَةً (بِيَدِهِ)، أَيْ: الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ (بِلَا تَفْرِيطٍ) مِنْهُ لَيْسَ مِنْ ضَمَانِهِ، بَلْ (مِنْ ضَمَانِ فُقَرَاءَ مُطْلَقًا)، أَيْ: سَوَاءٌ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ ذَلِكَ أَوْ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ، هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي الْإِنْصَاف.

.(بَابٌ) ذِكْرُ (أَهْلِ الزَّكَاةِ):

وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ بَيَانِ شُرُوطِهِمْ، وَقَدْرِ مَا يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ، وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. وَهُمْ: (ثَمَانِيَةُ) أَصْنَافٍ (لَا يَحِلُّ صَرْفُهَا لِغَيْرِهِمْ مِنْ نَحْوِ مَسَاجِدَ وَقَنَاطِرَ وَأَكْفَانٍ) وَسَدِّ بُثُوقٍ، وَوَقْفِ مَصَاحِفَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جِهَاتِ الْخَيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وَكَلِمَةُ إنَّمَا تُفِيدُ الْحَصْرَ، أَيْ: تُثْبِتُ الْمَذْكُورَ، وَتَنْفِي مَا عَدَاهُ. وَكَذَلِكَ تَعْرِيفُ الصَّدَقَاتِ بِأَلْ، فَإِنَّهَا تَسْتَغْرِقُهَا، فَلَوْ جَازَ صَرْفُ شَيْءٍ إلَى غَيْرِ الثَّمَانِيَةِ، لَكَانَ لَهُمْ بَعْضُهَا لَا كُلُّهَا. وَرُوِيَ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ قَالَ: «أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْتُهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَعْطِنِي مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَقَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا هِيَ لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، (وَجَوَّزَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (الْأَخْذَ) مِنْ الزَّكَاةِ (لِمُحْتَاجٍ لِشِرَاءِ كُتُبِ عِلْمٍ) نَافِعٍ (لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ) مِنْهَا قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت وَلَعَلَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْتَاجُهُ طَالِبُ الْعِلْمِ وَكَنَفَقَتِهِ.

.(الْأَوَّلُ) مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ (فَقِيرٌ):

بَدَأَ بِهِ إتْبَاعًا لِلنَّصِّ، وَلِشِدَّةِ حَاجَتِهِ (وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ) لَبُدَاءَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمُّ، قَالَ تَعَالَى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}
فَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُمْ سَفِينَةً يَعْمَلُونَ فِيهَا. «وَقَدْ سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْكَنَةَ وَاسْتَعَاذَ مِنْ الْفَقْرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ شِدَّةَ الْحَاجَةِ، وَيَسْتَعِيذَ مِنْ حَالَةٍ أَصْلَحَ مِنْهَا، وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ مُشْتَقٌّ مِنْ: فَقْرِ الظَّهْرِ: فَعِيلٌ، بِمَعْنَى: مَفْعُولٍ، وَهُوَ الَّذِي نُزِعَتْ فِقْرَةُ ظَهْرِهِ، فَانْقَطَعَ صُلْبُهُ، (وَهُوَ)، أَيْ: الْفَقِيرُ: (مَنْ لَمْ يَجِدْ نِصْفَ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةَ عَوْنِهِ مِنْ نَحْوِ كَسْبٍ لَائِقٍ بِهِ، أَوْ لَا يَجِدُ شَيْئًا) أَلْبَتَّةَ، وَمِثْلُهُ الْخِرَقِيِّ وَالشَّارِحُ بِالزَّمِنِ وَالْأَعْمَى، لِأَنَّهُمَا فِي الْغَالِبِ كَذَلِكَ.

.(الثَّانِي: مِسْكِينٌ):

(وَهُوَ)، أَيْ: الْمِسْكِينُ (مَنْ يَجِدُ نِصْفَهَا أَوْ أَكْثَرَهَا) مِنْ كَسْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، مِفْعِيلٌ، وَهُوَ: الَّذِي أَسْكَنَتْهُ الْحَاجَةُ، (وَلَا يَقْدَحُ مِلْكُهُ نِصَابًا زَكَوِيًّا فَأَكْثَرَ، فَمَنْ مَلَكَ وَلَوْ مِنْ أَثْمَانِ مَا لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ)، فَيَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ تَمَامَ كِفَايَتِهِ سَنَةً. (وَلِمَنْ لَهُ عُرُوضُ تِجَارَةٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ) مِنْ ذَلِكَ (لَا يَرِدُ عَلَيْهِ رِبْحُهَا)، أَيْ: لَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ (قَدْرُ كِفَايَتِهِ) يَجُوزُ لَهُ (الْأَخْذُ مِنْ زَكَاةٍ) أَوْ كَانَ لَهُ مَوَاشِي تَبْلُغُ نِصَابًا، أَوْ لَهُ زَرْعٌ يَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لَا يَقُومُ ذَلِكَ بِجَمِيعِ كِفَايَتِهِ، يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَلَا (يَمْنَعُ) ذَلِكَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: (إذَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ يَسْتَغِلُّهَا عَشْرَةُ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرُ وَلَا تَكْفِيهِ أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ) تَمَامَ كِفَايَتِهِ، (وَقِيلَ لَهُ)- أَيْ: لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ-: (يَكُونُ لَهُ الزَّرْعُ الْقَائِمُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَحْصُدُهُ أَيَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَفِي مَعْنَاهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ مُؤْنَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُنْفِقْهُ بِعَيْنِهِ فِي الْمُؤْنَةِ). وَكَذَا مَنْ لَهُ كُتُبٌ يَحْتَاجُهَا لِلْحِفْظِ وَالْمُطَالَعَةِ، أَوْ لَهَا حُلِيٌّ لِلُّبْسِ، أَوْ كِرَاءٌ تَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَلَا يَمْنَعُهَا ذَلِكَ الْأَخْذَ مِنْ الزَّكَاةِ، فَالْغِنَى فِي بَابِ الزَّكَاةِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يُوجِبُهَا، وَنَوْعٌ يَمْنَعُهَا. وَالْغِنَى هُنَا: مَا تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ، (وَعَلَيْهِ)، أَيْ: قَوْلِ الْإِمَامِ، (فَيُعْطَى مُحْتَرِفٌ ثَمَنَ آلَةِ حِرْفَةٍ، وَإِنْ كَثُرَتْ، وَتَاجِرٌ يُعْطَى رَأْسُ مَالٍ يَكْفِيهِ)، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا حَلَّتْ لَهُ، وَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا فَأَكْثَرَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ: «فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَالسِّدَادُ: الْكِفَايَةُ. وَذَكَرَ أَحْمَدُ قَوْلَ عُمَرَ: «أَعْطَوْهُمْ، وَإِنْ رَاحَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا» وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: «مَنْ سَأَلَهُ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ مَسْأَلَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُدُوشًا، أَوْ كُدُوشًا فِي وَجْهِهِ» فَأُجِيبَ عَنْهُ بِضَعْفِ الْخَبَرِ، وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فِي وَقْتٍ كَانَتْ الْكِفَايَةُ الْغَالِبَةُ فِيهِ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَلِذَلِكَ جَاءَ التَّقْدِيرُ عَنْهُ بِأَرْبَعِينَ وَبِخَمْسِينَ أَوَاقٍ، وَهِيَ: مِائَتَا دِرْهَمٍ.
(وَ) يُعْطَى (غَيْرُهُمَا)، أَيْ: الْمُحْتَرِفِ وَالتَّاجِرِ (مِنْ فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ تَمَامَ كِفَايَتِهِمَا مَعَ) كِفَايَةِ (عَامِلَتِهِمَا سَنَةً)، لِتَكَرُّرِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِتَكَرُّرِ الْحَوْلِ، فَيُعْطَى مَا يَكْفِيهِ إلَى مِثْلِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَامِلَتِهِمَا مَقْصُودٌ دَفْعُ حَاجَتِهِ، فَيُعْتَبَرُ لَهُ مَا يُعْتَبَرُ لِلْمُنْفَرِدِ، حَتَّى (وَلَوْ كَانَ احْتِيَاجُهُمَا بـِ) سَبَبِ (إتْلَافِ مَالِهِمَا فِي الْمَعَاصِي أَوْ لَمْ يَتُوبَا): لِصِدْقِ اسْمِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ عَلَيْهِمَا حِينَ الْأَخْذِ، (وَيُعْطَى لِمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِنِسْبَتِهِ)، أَيْ: الْبَعْضِ الْحُرِّ مِنْهُ، فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَأْخُذُ مِنْ الزِّيَادَةِ مِنْ الزَّكَاةِ نِصْفَ كِفَايَتِهِ سَنَةً، وَمَنْ ثُلُثُهُ حُرٌّ يَأْخُذُ ثُلُثَ كِفَايَتِهِ سَنَةً وَهَكَذَا (وَ) يُعْطَى (لِفَقِيرَةٍ تَجِدُ مَنْ يَنْكِحُهَا) مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرَ كِفَايَتِهَا، (إذْ تَحْصِيلُ الْمَالِ بِالْبُضْعِ لَيْسَ بِغِنًى مُعْتَبَرٍ مُطْلَقًا) فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا، فَلَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ لِتَحُجَّ، وَكَذَا لَا تُجْبَرُ عَلَى التَّزَوُّجِ لِتُنْفِقَ عَلَى قَرِيبِهَا الْفَقِيرِ. (وَإِنْ تَفَرَّغَ قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ لِلْعِلْمِ)الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ (لَا) إنْ تَفَرَّغَ قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ (لِلْعِبَادَةِ) لِقُصُورِ نَفْعِهَا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْعِلْمِ (وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّكَسُّبِ (أُعْطِيَ) مِنْ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ، (وَمَنْ أُعْطِيَ مَالًا) مِنْ زَكَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا (لِيُفَرِّقَهُ، جَازَ لَهُ) تَنَاوُلُهُ لِذَلِكَ (إنْ أَمِنَ نَفْسَهُ) عَلَى تَفْرِقَتِهِ.

.(الثَّالِثُ: عَامِلٌ عَلَيْهَا):

(كَجَابٍ) يَبْعَثُهُ إمَامٌ لِأَخْذِ زَكَاةٍ مِنْ أَرْبَابِهَا، (وَحَافِظٍ وَكَاتِبٍ وَقَاسِمٍ) وَمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا، لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}, «وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَبْعَثُ عَلَى الصَّدَقَةِ سُعَاةً وَيُعْطِيهِمْ عِمَالَتَهُمْ». (وَشُرِطَ كَوْنُهُ)، أَيْ: الْعَامِلِ (مُسْلِمًا)، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَاشْتُرِطَ فِيهَا الْإِسْلَامُ كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ (مُكَلَّفًا)، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ أَيْضًا، وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ مُوَلًّى عَلَيْهِ (أَمِينًا عَالِمًا بِأَحْكَامِ زَكَاةٍ) إنْ كَانَ مِمَّنْ يُفَوَّضُ إلَيْهِ عُمُومُ الْأَمْرِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ كِفَايَةٌ لَهُ، وَيَصِيرُ خَطَؤُهُ أَكْثَرَ مِنْ صَوَابِهِ (كَافِيًا) فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْوِلَايَةِ، فَاشْتُرِطَ فِيهَا ذَلِكَ كَغَيْرِهَا. (وَيَتَّجِهُ: اشْتِرَاطُ ذُكُورِيَّتِهِ، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ)، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قُلْتُ: لَوْ قِيلَ بِاشْتِرَاطِ ذُكُورِيَّتِهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ امْرَأَةً وُلِّيَتْ عِمَالَةَ زَكَاةٍ أَلْبَتَّةَ، وَتَرْكُهُمْ ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَأَيْضًا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}، لَا يَشْمَلُهَا. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَاشْتِرَاطُ ذُكُورِيَّتِهِ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى)، وَهُمْ: بَنُو هَاشِمٍ، وَمِثْلُهُمْ مَوَالِيهِمْ، لِأَنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمُطَّلِبَ بْنَ رَبِيعَةَ سَأَلَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِمَالَةَ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَقَالَ: «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» وَهُوَ نَصٌّ فِي التَّحْرِيمِ، لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ، إلَّا أَنْ نَدْفَعَ إلَيْهِ أُجْرَتَهُ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي: (وَلَوْ كَانَ قِنًّا) فَلَا تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ، لِحَدِيثِ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ، أَشْبَهَ الْحُرَّ، (أَوْ) كَانَ الْعَامِلُ (غَنِيًّا) لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ: الْعَامِلُ، أَوْ رَجُلٌ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَارِمٌ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مِسْكِينٌ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى لِغَنِيٍّ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَيُعْطَى) عَامِلٌ (قَدْرَ أُجْرَتِهِ مِنْهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ جَاوَزَتْ ثَمَنَ مَا جَبَاهُ أَوْ لَا نَصًّا، وَذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (إنْ لَمْ يَعْقِدْ لَهُ عَقْدَ إجَارَةٍ) فَإِنْ عَقَدَ لَهُ عَقْدَ إجَارَةٍ، وَسَمَّى لَهُ شَيْئًا مَعْلُومًا، اسْتَحَقَّهُ (إلَّا إنْ تَلِفَتْ) الزَّكَاةُ (بِيَدِهِ)، أَيْ: الْعَامِلِ (بِلَا تَفْرِيطٍ) مِنْهُ، (وَلَا يَضْمَنُ) مَا تَلِفَ حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَحَيْثُ لَا ضَمَانَ (فـَ) يُعْطَى أُجْرَتُهُ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مِنْهَا. (وَإِنْ تَطَوَّعَ) الْعَامِلُ (بِعَمَلِهِ فَأُعْطِيَ)، أَيْ: أَعْطَاهُ إمَامٌ أَوْ غَيْرُهُ أُجْرَتَهُ، (فَلَهُ الْأَخْذُ) لِقِصَّةِ عُمَرَ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُسَمِّيَ أَوْ يَعْقِدَ لَهُ إجَارَةً وَأَنْ يَبْعَثَهُ بِغَيْرِهِمَا. (وَإِنْ عَمِلَ عَلَيْهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (إمَامٌ، أَوْ) عَمِلَ عَلَيْهَا (نَائِبُهُ) بِأَنْ جَبَاهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِلَا بَعْثِ عُمَّالٍ، (لَمْ يَأْخُذْ) مِنْهَا (شَيْئًا)، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. (وَيَجُوزُ كَوْنُ حَامِلِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (وَرَاعِيهَا وَنَحْوِ كَيَّالٍ) كَسَائِقٍ وَحَافِظٍ (مِمَّنْ مَنَعَهَا كَكَافِرٍ وَذَوِي قُرْبَى، لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ لَا لِعِمَالَتِهِ)، بِخِلَافِ الْعَامِلِ وَالْجَابِي وَنَحْوِهِمَا. (وَإِنْ شَاءَ إمَامٌ جَعَلَ لِعَامِلٍ أَخْذَ زَكَاةٍ وَتَفْرِيقِهَا) لِقِصَّةِ مُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ، (أَوْ) جَعَلَ لَهُ (أَخْذَهَا فَقَطْ) وَيُفَرِّقُهَا الْإِمَامُ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ أَوْ مَا دُونَ الْمَسَافَةِ، (فَإِنْ) أَذِنَ لَهُ فِي جَمْعِهَا وَ(أَطْلَقَ)، فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالتَّفْرِيقِ، وَلَمْ يَنْهَهُ، (فَلَهُ تَفْرِيقُهَا) فِي مُسْتَحَقِّيهَا، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّ زِيَادًا وَلَّى عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ الصَّدَقَةَ، فَلَمَّا جَاءَ قِيلَ لَهُ: أَيْنَ الْمَالُ؟ قَالَ: وَلِلْمَالِ أَرْسَلْتَنِي؟ أَخَذْنَاهَا كَمَا نَأْخُذُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعْنَاهَا حَيْثُ كُنَّا نَضَعُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(وَإِلَّا) بِأَنْ قَالَ لَهُ: لَا تُفَرِّقْهَا (فَلَا) يُفَرِّقُهَا لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ. (وَتُقْبَلُ) شَهَادَةُ (مَالِكِ) مَالٍ مُزَكًّى (عَلَى عَامِلٍ بِوَضْعِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ فِي (غَيْرِ مَوْضِعِهَا)، لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا، وَلَا تَجُرُّ لَهُ نَفْعًا، لِبَرَاءَتِهِ بِالدَّفْعِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا تُقْبَلُ لَهُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ فِيهَا، (وَيُصَدَّقُ) رَبُّ الْمَالِ (فِي دَفْعِهَا لَهُ)، أَيْ: الْعَامِلِ (بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ بَعْدَ دَفْعِهَا لَهُ)، لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى عِبَادَتِهِ (وَيَسْتَرِدُّهَا) الْمَالِكُ (مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ الْعَامِلِ بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ (مَا بَقِيَتْ بِيَدِهِ) لِيَضَعَهَا فِي مَوَاضِعِهَا، (وَإِلَّا) تَكُنْ بَاقِيَةً، بَلْ ادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ (فَلَا) اسْتِرْدَادَ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ دَفْعِهَا لَهُ، إلَى قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَلَا، هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ فِي الْإِقْنَاعِ وَلَا فِي الْمُنْتَهَى وَهِيَ كَمَا تَرَى لَا طَائِلَ تَحْتَهَا. (وَيَحْلِفُ عَامِلٌ لِمُسْتَحِقٍّ) زَكَاةً أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ (وَيَبْرَأُ) مِنْ عُهْدَتِهَا، فَتَضِيعُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ. (وَإِنْ ثَبَتَ) عَلَى عَامِلٍ أَخْذُ زَكَاةٍ مِنْ أَرْبَابِهَا (دَفَعَهَا) الْعَامِلُ (لَهُ)، أَيْ: لِرَبِّ الْمَالِ، (وَلَوْ بِشَهَادَةِ أَرْبَابِ أَمْوَالِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِلَا تَخَاصُمٍ) بَيْنَ عَامِلٍ وَشَاهِدٍ، قُبِلَتْ، وَ(غَرِمَ) عَامِلٌ لِلْفُقَرَاءِ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ، وَإِنَّمَا قُبِلَ مِنْهُمْ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ. (وَإِنْ شَهِدَ مُسْتَحِقٌّ) كَفَقِيرٍ وَنَحْوِهِ (لِعَامِلٍ أَوْ عَلَيْهِ، لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ جَلْبِ النَّفْعِ. (وَيَصْدُقُ عَامِلٌ فِي قَبْضِ زَكَاةٍ مِنْ رَبِّهَا وَلَوْ عُزِلَ) كَحَاكِمٍ أَقَرَّ بِحُكْمِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ، (أَوْ) أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَيْهَا إلَّا (بِجُعْلٍ) وَيَأْخُذُهُ (وَ) يُصَدَّقُ عَامِلٌ (فِي) دَعْوَى (دَفْعِ) زَكَاةٍ (لِفَقِيرٍ) فَيَبْرَأُ مِنْهَا.
(وَ) يُصَدَّقُ (فَقِيرٌ فِي عَدَمِهِ)، أَيْ: الدَّفْعِ إلَيْهِ مِنْهَا، وَظَاهِرُهُ: بِلَا يَمِينٍ، وَيَأْخُذُ زَكَاةً أُخْرَى. (وَمَا خَانَ) الْعَامِلُ (فِيهِ أَخَذَهُ الْإِمَامُ) لِيَرُدَّهُ إلَى مُسْتَحَقِّيهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
وَ(لَا) يَأْخُذُهُ (أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ) لِأَنَّهُ زَكَاةٌ، لَكِنْ إنْ أَخَذَ مِنْهُمْ شَيْئًا ظُلْمًا بِلَا تَأْوِيلٍ، فَلَهُمْ أَخْذُهُ، (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَيَلْزَمُهُ)، أَيْ: الْعَامِلَ (دَفْعُ حِسَابِ مَا تَوَلَّاهُ إذَا طَلَبَ مِنْهُ)، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا يَلْزَمُهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُبْدِعِ.